{هو الذي يسيِّركم في البر} على المراكب والظُّهور {والبحر} على السُّفن {حتى إذا كنتم في الفلك} السُّفن {وجرين بهم} يعني: وجرت السُّفن بمَنْ ركبها في البحر {بريح طيبة} رُخاءٍ ليِّنةٍ {وفرحوا} بتلك الرِّيح للينها واستوائها {جاءتها ريحٌ عاصف} شديدةٌ {وجاءهم الموج} وهو ما ارتفع من الماء {من كلِّ مكان} من البحر {وظنوا أنهم أحيط بهم} دنوا من الهلاك {دعوا الله مخلصين له الدين} تركوا الشِّرك وأخلصوا لله الرُّبوبيَّة، وقالوا {لئن أنجيتنا من هذه} الرِّيح العاصفة {لنكوننَّ من الشاكرين} الموحِّدين الطَّائعين.{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} يعملون بالفساد والمعاصي والجرأة على الله. {يا أيها الناس} يعني: أهل مكَّة {إنما بغيكم على أنفسكم} أَيْ: بغي بعضكم على بعضٍ {متاع الحياة الدنيا} أَيْ: ما ينالونه بهذا الفساد والبغي إنَّما يتمتَّعون به في الحياة الدُّنيا {ثم إلينا مرجعكم}.{إنما مثل الحياة الدنيا} يعني: الحياة الفانية في هذه الدَّار {كماءٍ} كمطرٍ {أنزلناه من السماء فاختلط به} بذلك المطر وبسببه {نبات الأرض ممَّا يأكل الناس} من البقول والحبوب والثِّمار {والأنعام} من المراعي والكلأ {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} زينتها وحسنها {وازَّينت} بنباتها {وظنَّ} أهل تلك الأرض {أنهم قادرون} على حصادها والانتفاع بها {أتاها أمرنا} عذابنا {فجعلناها حصيداً} لا شيء فيها {كأن لم تغن} لم تكن بالأمس {كذلك} الحياةُ في الدُّنيا سببٌ لاجتماع المال وزهرة الدُّنيا، حتى إذا كثر ذلك عند صاحبه، وظنَّ أنَّه ممتَّعٌ به سُلِب ذلك عنه بموته، أو بحادثةٍ تهلكه {كذلك نفصل الآيات} كما بيَّنا هذا المثل للحياة الدُّنيا كذلك يُبيِّن الله آيات القرآن {لقوم يتفكرون} في المعاد.{والله يدعو إلى دار السلام} وهي الجنَّة ببعث الرَّسول، ونصب الأدلة {ويهدي من يشاء} عمَّ بالدَّعوة، وخصَّ بالهداية مَنْ يشاء.{للذين أحسنوا} قالوا: لا إله إلاَّ الله {الحسنى} الجنَّة {وزيادة} النَّظر إلى وجه الله الكريم عزَّ وجلَّ {ولا يرهق} يغشى {وجوههم قترٌ} سوادٌ من الكآبة {ولا ذلة} كما يصيب أهل جهنَّم، وهذا بعد نظرهم إلى ربِّهم تبارك وتعالى.